مفهوم المنهجية
هي منهجية علميّة موجهة للباحثين والمستشارين المتخصصين في بناء الأطر النظرية، والأدلة العملية، وإنتاج البرامج التطبيقية، وتتكون من خمس عمليات رئيسة هي:
هذه العمليات الخمس ليست عمليات منهجيّة إجرائية لغرس القيم أو إكسابها أو تعزيزها، وإنما نقصد بها عمليات منهجيّة علميّة سابقة، ومُؤسِسة للخدمات الإجرائية التي تقدم للمستفيدين على اختلاف أنواعهم وبيئاتهم، ولكل عمليّة من تلك العمليات الخمس، أدلة إرشادية وإجرائية تساند الباحثين والعاملين في المؤسسات على تنفيذ مهماتهم، والشكل التالي يجمع عمليات المنهجية مع أدلتها الإرشادية.
عمليات بناء القيم
فيما يلي سنورد تفصيلاً لهذه العمليات الخمس، التي تشمل كل القضايا المتعلقة ببناء القيم وتمكينها، وتشكّل أرضية صلبة يعمل على ضوئها الممارسون في الميدان؛ لإنتاج المعرفة وإعداد البرامج التطبيقية لذلك.
ساهمت بعض الأُطر الفكرية والنظرية والإنتاجات العمليّة حول موضوع القيم؛ بشرح القيم وتوضيحها بشكل عام، ولكنها لم تحولها في الغالب إلى كيان واضح المعالم، بتجزئتها إلى مكونات وقيم فرعيّة، مؤشرات سلوكية يجب على الفرد اكتسابها، وإجراءات مؤسسية تخلق بيئة حاضنة للقيم، بل بقيت مفهومًا مجردًا يصعب إدراكه بشكلٍ تام.
“إننا نرى أن أفضل مدخل لتحويل القيم من مفهوم مجرد؛ ليصبح مفهومًا يحمل معنى، وله منطق عند الأفراد، وقابل للتطبيق من قبلهم؛ هو مدخل التجسيد، وهو الركن الأهم في البناء الذي يعني؛ تحويل القيمة من كلمة مجردة إلى كيان واضح المعالم؛ بتعريفها، وتحديد مكوناتها الفرعية والسلوكات الدالة عليها، والسلوكات التي تمثل تناقضًا معها، وتحليل أبعاد المكونات، وإبراز منافعها ومضار العمل بما يناقضها، وأدوات قياسها، وسلوكات وإجراءات اكتسابها وتبنيها، وصولًا إلى إجراءات عمليّة تُسهل تمكينها، وتحويلها من الشعارات إلى الواقع.”
وتعدّ عملية تجسيد القيمة أساس عمليات بناء القيم بشكلٍ عام، والقيم المؤسسية على وجه الخصوص، وتُنفذ بعدد من الخطوات والمهام، ولكل مهمة أو مجموعة مهام مُخرج محدد. وقد أنجزنا دليلًا عمليًا لتجسيد القيم. يساعد الباحثين على تعريف القيمة وتحليلها إلى مكونات وقيم فرعيّة، وإلى توضيح وبيان العوائد والثمار الإيجابية الناتجة عن تبني الفرد لمنظومة القيم، وكذلك ما يعود على المنظمة من المنافع الإيجابية حال توفيرها للبيئة الداعمة والداعمة للقيم، يلي ذلك بيان بالمخاطر الناجمة والتهديدات المتوقعة من عدم تبني القيم بشكل حقيقي، أو عدم توفر الإجراءات الداعمة، وذلك من أجل تعزيز الجانب الوجداني لدى الفرد، وتعظيم وتثمين وتقدير أهمية القيمة لديه؛ ليتمكن من اكتسابها والدفاع عنها. وإحدى مكونات عملية تجسيد القيم؛ هي إيضاح المؤشرات الدالة على السلوكات المطلوبة من الفرد ليتمثل القيمة، أو الإجراءات المطلوبة من المنظمة وتهيئتها للبيئة الداعمة للقيم:
والغاية من ذلك تمكين الباحثين في مجال القيم وتمكينها؛ من صياغة وتطوير المقاييس، ومساندتهم في بناء برامج التمكين وأدواته التثقيفية والتدريبية التي تُحدِث أثرًا في المستهدف بالخدمة.
وحسب علمنا نرى أن «دليل تجسيد القيم» قد حقق سبقًا عمليًا على مستوى البحث العملي في العالم، حيث لم نجد من خلال بحثنا مَن كَتب أو ألّفّ أو درّس موضوع تجسيد القيم ووضع له منهجية ودليلًا عمليًا يستفيد منه الباحثون. وفي الجزء الرابع من الكتاب (نماذج تطبيقيّة) أوردنا شرحًا مفصلًا عن هذا الدليل.
تتنوع وتتعدد أساليب وطرق قياس القيم الشخصية، وأهم هذه الطرق هي الاستبانات أو المقاييس. حيث تنضوي تحت فئتين، هما؛ الفئة الأولى: قياس القيم من خلال أسئلة الاختيار بين بدائل، ومن الأمثلة عليها مقياس دراسة القيم «لألبورت وفيرنون ولندزي
(Allport, G. W., Vernon, P. E., & Lindzey, G. (1960 الذي يهدف إلى قياس القيم الستة التالية: (الجمالية، النظرية، الاقتصادية، الاجتماعية، الدينية، السياسية).ومقياس القيم الفارقة The measure of differential values) الذي أعده «برنس»( Prince, R. 1957).
ويقوم على نوعين من القيم: تقليدية وعصرية
(Traditional & Emergent Values).
ويتكون من 67 فقرة تشمل كل منها بديلين، أحدهما يمثل قيمة تقليدية، والآخر قيمة عصرية، ويجيب الفرد باختيار أحداهما.
أما الفئة الثانية؛ فهي قياس القيم بترتيب البدائل والفقرات، وينضوي تحت هذه الفئة: مقياس القيم لـ «روكيش» (The Values Survey)؛ وهو جزآن الأول: لقياس القيم الغائية، والثاني: لقياس القيم الوسيلية، ويتكون كل منهما من (18) قيمة، ويُطلب من الفرد ترتيب كل قيمة على حدة حسب الأكثر أهمية؛ وقائمة القيم الشخصية
(A Personal Values Inventory) الذي أعده Lovat, T., & Hawkes, N. (2013)3، ويتكون من 90 فقرة تقيس (10) قيم؛ وقوائم القيم (The Goal and mode values inventories) لـ”بريثويت”
Braithwaite, V. A., & Law, H. G. (1985). 1
(The Value Profile)ـ” Bales, R. F., & Couch, A. S. (1969)1). في العام 1969م؛ وغيرها من المقاييس التي تركز في الغالب على قياس القيم الشخصية للفرد.
وغالب مناحي قياس القيم المنظمية تفترض مجموعة من القيم وفق أسس نظرية محددة بُنيت عليها. فمقياس «القيم المنظمية» لوودكوك وفرانسيس Mastenbroek, W. (1990).1 الذي يُعد أشهرها، يتضمن مجموعة من القيم التي تميز المنظمات الناجحة، وتوصل
الباحثان إلى هذه النتيجة بإجرائهما عددًا من الدراسات في دول عدة، حيث اِتَّضَحَ لهما وجود تشابه كبير للقيم المنظمية عبر مختلف الثقافات. وقد رافق هذه المناحي النظرية في دراسة القيم وتصنيفها وتقسيمها ظهور مسوح عالمية يُعتد بها، ساهمت في نشر ثقافة قياس القيم الشخصية والمنظمية والمجتمعية، وجعلت الأفراد والمنظمات يشعرون بأهمية قياس القيم.
ومن المسوحات البارزة؛ مسح القيم الشخصية والمنظمية والمدرسية والمجتمعية التي ينفذها مركز باريت للقيم Barrett Values Centre ومقره في بريطانيا. ويعتمد هذا المسح على نموذج باريت لمستويات الوعي السبعة. وقد وضع هذا النموذج في الفترة 1996-1997. ويرى هذا النموذج، أن الإنسان يتطور في إطار سبعة مجالات محددة، وكل مجال يركز على احتياج معين شائع لدى كل الناس، ويعتمد مستوى نمو الشخص ونضجه بقدرته على إشباع ذلك الاحتياج وحسب اختلاف الزمن. وقد حدد هذا النموذج القيم في (66) قيمة فقط.
ومنها؛ مسح القيم العالمي World Values Survey وهو مشروع بحثي دولي، تنفذه شبكة من العلماء في علم الاجتماع، تبحث في أثر القيم المتغيرة على الحياة الاجتماعية والسياسية.
وبعد مراجعة أغلب منهجيات قياس القيم وأدواتها؛ فإننا نقدّر الجهد الكبير المبذول المبني على أسس نظرية معرفية، ولكننا نرى أن في تلك الأدوات جوانب قصور ثلاثة، وهي:
كل منهجيات القياس افترضت مسبقًا قيمًا بعينها في ضوء الأسس
النظرية التي انطلقت منها في تحديدها، وبنت عليها مقاييس لدراستها أو مسحها لدى الأفراد والمنظمات والمجتمعات، وهذا مثّل جانب قصور من وجهة نظرنا؛ إذ أن القيم وإن كانت عالمية؛ فإن لكل فرد ومؤسسة ومجتمع قيم خاصة به، فهي تفضيلات شخصيّة ومؤسسية ومجتمعيّة. وعليه، فإنه لا يمكن تعميم هذه المقاييس على الأفراد أو المؤسسات والمجتمعات كافة.
ويصاحب جانب القصور هذا؛ حصر قيم معيّنة في تجمعات محددة، وإطلاق مسميّات مختلفة عليها، يجعل تكرار القيمة الواحدة واردًا في أكثر من تجمع؛ فمثلًا تُسمى قيم (المحبَّة، حب الوطن، التسامح) بالقيم الأخلاقية، في حين تتكرر جميعها أو بعضها في تجمع آخر، فنجد قيمة (حُب الوطن) ضمن القيم الوطنية، وهكذا لبقية القيم.
وعليه، فإن تكرار القيمة الواحدة في تجمعات عدة، يبقى أمرًا مختلفًا عليها بين الباحثين، الأمر الذي يجعل المقاييس والدرجات وتفسيراتها مختلف عليها أيضًا.
وجانب قصورٍ ثانٍ؛ تمثل في أن تلك المقاييس أعدت أصلًا لمسح القيم الشخصية، والتعرف على منظومة القيم السائدة لدى الأفراد، وتُستخدم في الوقت ذاته لقياس القيم المؤسسية، بينما قياس القيم المؤسسية لا يكون بقياس القيم الشخصية، بل من خلال قياس جانبين اثنين هما: درجة تبني الفرد واكتسابه لقيم مؤسسته التي ينتمي إليها، وليس قياس قيمه الشخصية، والجانب الثاني: هو قياس درجة توفير المؤسسة للمتطلبات اللازمة للقيم التي تعلن عنها وتتبناها.
وتمثل جانب القصور الثالث في اختلاف قياس «التوافق» بين القيم الشخصية والقيم المؤسسية؛ باستخدام مقاييس تطلب من الأفراد في المؤسسة تقدير درجة الموافقة على التوافق بين قيمهم الشخصية وقيم المؤسسة، من مثل: «اتفق مع قيم مؤسستي» أو «الأشياء التي أقدرها في الحياة متشابهة مع الأشياء التي تقدرها مؤسستي». في المقابل تتطلب بعض المقاييس من الأفراد تقدير درجة ارتباط محتوى فقرات المقياس ببيئة المؤسسة الحالية، وفي ذات المقياس يطلب من الفرد تقدير درجة وصف محتوى فقراته لشخصيته.
وعند التمعن في فقرات هذه المقاييس نجدها بعيدة كل البعد عن القيم الشخصية والمؤسسية، إذ إنها فقرات وصفية تصف ما يتعلق بالقيم بشكلٍ عام وارتباطها ببيئة المؤسسة، لكنها لا تتناول قيمة بحد ذاتها مثل تناول «قيمة النزاهة» بوصفها قيمة شخصية يعتبرها الفرد ضمن سلم أولوياته، وهي قيمة مؤسسية في الوقت ذاته يعتبرها الفرد ضمن أولوياته في المؤسسة. بينما قياس التوافق يكون من خلال التعرف إلى القيم الشخصية للفرد (النزاهة، روح الفريق…) أولًا، ثم تقديره لأهمية القيم المؤسسية التي تعلنها المؤسسة (الشفافية، النزاهة،…) ثم فحص التوافق بينهما.
حين يكون الحديث حول تكوين منظومات القيم الشخصية في البحوث والدراسات، يتحدث الكثير من المهتمين فيها عن منظومات مسبقة الإعداد، يوصون الفرد بتبنيها، وهي في الغالب قيم عامة تشكل الوضع المثالي للشخصية السويّة التي يجب أن يتبناها كل الأفراد، ولا يتطرقون في الغالب إلى بناء الإجراءات العملية لتكوين منظومة القيم الشخصية لهم التي تراعي أهدافهم وإمكاناتهم وأولوياتهم.
وكذلك تكوين منظومة القيم الأسرية؛ فإن الباحثين في الغالب يخلطون بينها وبين تكوين منظومة القيم الشخصية لأفرادها، كما تقدم بعض الدراسات نماذج نظرية لمنظومات معدة مسبقًا تصلح لكل أسرة، هي بمثابة منظومة الأسرة المثالية، ولم تقدم إجراءات عمليّة لتكوين منظومة قيم أسرية تراعي خصوصية كل أسرة وأولوياتها.
أما تكوين منظومة القيم التعليمية/التعلمية، فغالبًا لا يقوم على ضوء فلسفة واضحة ومحددة، ولا تدمج القيم في كافة تفاصيل العمليّة التعليمية وملحقاتها، وتضمينها المناهج وتدريب المعلمين عليها. إضافة إلى أن أغلب البحوث ذات العلاقة تغلب عليها المبالغة في تتبع ما توحي إليه نصوص المناهج من قيم، وليس تأليف المناهج وفق منظومة قيم كُونت مسبقًا؛ تتناسب مع رؤية المؤسسة التعليمية.
وفيما يتعلق بتكوين منظومة القيم المؤسسية في القطاعين العام والخاص والقطاع الثالث (غير الربحي)؛ فلا تكاد تخلو الخطط الاستراتيجية التي يضعها المستشارون للمؤسسات من منظومة قيمية، لكنها تُبنى على عجل في الغالب، ولا تستند إلى دراسات عميقة لواقع المؤسسة وحال أفرادها، كما لا يُلتفت في الغالب إلى بناء برامج تمكين قيم المؤسسة، ولا إلى ما يجب على المؤسسة عمله لتهيئة البيئة الداعمة للقيم والداعمة لها (وسنفصل الحديث حول تكوين القيم المؤسسية في الجزء الرابع لأنها أبرز المهمات السائدة حالياً). وينسحب الحال على تكوين القيم الوطنية، فرغم كثرة الحديث عنها أو الإشارة إلى أسسها في الدساتير والقوانين المنظمة لحياة الناس في الدول؛ لكن أغلبها لم يُبنى على منظومة قيم وطنية متفق عليها، لكي تعمل المؤسسات والأجهزة كافة على بنائها، وتمكينها لدى مواطني الدول.
تناولت الدراسات والبحوث وأوراق العمل المهتمة بالقيم؛ موضوع تعزيز القيم أو غرسها أو إكسابها أو اكتسابها؛ تناولًا نظريًا متنوعًا، وفي حين تؤكد جميعها على ضرورة القيم، لكنها في الغالب لم تقدم بالمقابل أدوات عمليّة لتعزيزها أو إكسابها أو شرح كيفية تحقيق ما يجب أو بيان تلك الضرورة، إلا في نطاق ضيق، وإسهامات محدودة تبناها بعض الباحثين وبعض المؤسسات، وهو جهد طيب ساهم في نقل الأفكار من حيز التنظير إلى التطبيق.
وقد حصرنا بعض تلك الدراسات والبرامج والمشاريع والأدوات واستفدنا منها، وغالبها يرى أن عملية إكساب أو اكتساب القيم تتم وفق ثلاثة محاور: الأول: التنشئة الأسرية، والثاني؛ تقليد النموذج أو المثال والاقتداء به، والثالث؛ التلقي المباشر من خلال التعليم أو التدريب، ونتفق تمامًا مع ذلك كله (تليمان، 2006، بالخضر، 2006، يالجن 2012، موسوعة الأخلاق جامعة الملك سعود، مشروع القيم الجامعية؛ جامعة طيبة 2013، الدقلة؛ 2013، الجلاد 2014، مرداد 2015، العازمي، 2015، كوزيس؛ جميس2016) غير أننا لم تستغرق في التنظير، أو نركز على عملية إكساب القيم أو اكتسابها فقط، بل حرصنا على بناء منهجية علميّة وأدوات عمليّة، تهدف إلى عملية أشمل من الإكساب أسميناها: تمكين القيم.
الاستدامة التي نعنيها هنا؛ استدامة العمل والأثر، أي استمرار العمل الجاد لمراجعة قيم المؤسسة وتحسينها، واستمرار عمليات تمكين القيم على أكثر من مسار؛ يشمل المؤسسة ذاتها وقياداتها والعاملين فيها، وبناء قدرات العاملين المعنيين بإدارة القيم في المؤسسة؛ ليكونوا مسؤولين عن استدامة عمليات التمكين، ويمكن العمل وفق عدد معين من الإجراءات؛ منها (تأسيس مكتب لإدارة القيم – برنامج سفراء القيم – بنك الممارسات القيمية – منهجية كايزن في تحسين الأداء).
ومن خلال تجربتنا والممارسة العمليّة التي مررنا بها، وبعد أن أنجزنا بعض المشاريع الاستشارية والتدريبية لعدد من شركائنا في القطاع الحكومي والخاص والثالث (غير الربحي)، وطبقنا منهجيتنا في تمكين القيم، ظهرَ لنا تحديان كبيران يواجهان استدامة عمليات تمكين القيم في المؤسسات؛ وهما:
التحدي الأول: وجدنا أن مسؤولية تمكين القيم في الهيكل الإداري للمنظمة غير محددة؛ أهي لإدارة الاستراتيجية، أو لإدارة الموارد البشرية؟! وذلك لعدم وجود إدارات متخصصة في المؤسسات التي عملنا معها؛ مسؤولة عن تنفيذ عمليات تكوين القيم وتمكينها، ونتوقع أن ذلك في غالب المنظمات أيضًا.
التحدي الثاني: ندرة وجود – وفي الغالب عدم وجود – كوادر بشرية مؤهلة في مجال تكوين منظومات القيم وفي مجال تمكينها.
ولتجاوز هذين التحديين، ولضمان استدامة عمليات تمكين القيم، فإننا نقترح على المؤسسات – باختلاف أنواعها – العمل على تنفيذ الحليّن التاليين:
حل التحدي الأول: تأسيس إدارة تمكين القيم وبناء القدرات: بمبادرة تأسيس إدارة أو مكتب؛ لتمكين القيم في المؤسسة، ستحقق – بلا شك – منافع كبيرة على أدائها، وأداء الأفراد العاملين، وستتجاوز المنافع إلى أصحاب المصلحة والمجتمع المحلي.
ولتحقيق فاعليّة أكبر واستدامة لأثر عمليات تمكين القيم؛ فإننا نقترح على المؤسسات بناء نظام متكامل لمكتب أو إدارة القيم، وفقًا لطبيعة نشاطها وحجمها، ويشمل كل ما يعمل على تحقيق أهداف الإدارة. ابتداءً بتحديد موقع إدارة تمكين القيم في الهيكل التنظيمي إما تحت إدارة الاستراتيجية، وهذا الاختيار الأفضل، أو تحت إدارة الموارد البشرية بالتنسيق مع إدارة الاستراتيجية، أو كما تراه المؤسسة وفق نموذج عملها، وخططها التنفيذية.
حل التحدي الثاني: ويأتي بالتوازي مع الحل الأول وهو بناء قدرات العاملين في تلك الإدارة وفق برنامج تدريبي محكّم ومعتمد، يؤهل الملتحقين فيه؛ لتنفيذ عمليات تكوين منظومة القيم أو تحسينها، وتمكينها لدى الأفراد وفي نظام المنظمة ذاته.
وحيث إن برامج بناء القدرات في مجال القيم محدودة جدًا – حسب علمنا – فقد عملنا على مشروع كبير؛ يهدف لتأهيل وبناء القدرات المتخصصة في القيم، ويساهم في استدامة تمكينها بشكل علمي وعملي، وهي: الدبلوم العالي والشهادات المهنية في القيم، ويمكن للمهتمين زيارة موقع value.sa للتعرف على هذه الشهادات.
أما التحسين المستمر؛ فهي عملية موازية لكل العمليات الخمس المكونة لمنهجية البناء؛ لضمان جودة الأداء في كل عملية أو إجراء، ومراجعة النتائج والأثر وتحسين العمليات للوصول إلى أفضل أداء ممكن، وبأعلى جودة مع الاقتصاد في الجهد والوقت والتكاليف.
ذوو العلاقة بالقيم
حين تتحدث أغلب الأطر الفكرية والنظرية عن تعزيز القيم أو بنائها أو غرسها عند الأفراد، فإنها تخلط ما بين أدوار ثلاثة أنواع من ذوي العلاقة بالقيم؛ وهم: الأفراد باعتبارهم مسؤولين عن أنفسهم، وبين: عموم الأفراد المؤثرين المسؤولين عن أفراد آخرين يرعونهم ويتحملون مسؤوليات تمكين القيم في البيئات الداعمة التي هم مسؤولون عنها، وبين: أفراد مؤثرين لكنهم غير مسؤولين عن رعاية أحد، ولهم تأثير كبير على أفراد المجتمع، في نشر ثقافة القيم وتعزيزها عند الأفراد المتأثرين بهم، والصواب أن يفرّق بين أدوارهم. ومسؤولياتهم وأن نشركهم جميعًا؛ كونهم من ذوي العلاقة في عملية البناء. والشكل التالي يوضح ذوي العلاقة بالقيم:
موجز منهجية البناء
منهجيتنا العلميّة في بناء القيم؛ تقوم على تحويل القيم من مفاهيم مجردة إلى كيانات واضحة المعالم، من خلال تجسيد القيم، تليها عملية صياغة المؤشرات وتطوير المقاييس الدالة على اكتساب الفرد للقيم، ومقاييس فحص مدى توفير البيئة لمتطلبات القيم، ثم بناء إجراءات تكوين منظومة القيم، ثم إعداد آليات تمكين القيم في كل بيئة بمساراته الخمسة: (تهيئة البيئة الداعمة، والإلهام، والتعليم، والتثقيف، والتدريب)، وفق منهجيات وأدوات وأدلة علميّة عمليّة تطبيقية، وأخيرًا بناء برامج الاستدامة والتحسين المستمر للعمليات الأربع السابقة.
وتلك العمليات الخمس هي عمليات علميّة خاصة بالمستشارين المنشغلين بالبحث العلمي، وإعداد الإجراءات والمقاييس والممكنات، وليست خدمات إجرائية توجه للمؤسسات بهذا التسلسل، إذ أن إجراءات الخدمة تأخذ تسلسلًا آخر، وعمليات أكثر، وسيرد شرح بعض إجراءاتها في الجزء (الرابع)، وقد اخترنا بيئة العمل المؤسسي لتطبيق النموذج عليها.
ويتطلب العمل وفق هذه المنهجية جهدًا كبيرًا، ومهمات عميقة ومتعددة، وتوظيف طاقات كبيرة؛ من الخبراء والمتخصصين في العمليات الخمس المكونة للمنهجية؛ من أجل العمل على إحداث الأثر الذي ينشده المهتمون ببناء القيم في بيئاتهم، والشكل التالي يجمع عمليات المنهجية.